كلما أتى الليل، وجدت نفسي أجالسك، وأعانقك، وأرتشف من شفتيك شهداً وعسلاً وقواريراً من خمر، كلما ساقتني لحظات أحلامي الكثيرة أجد نفسي في ملكوتك ، نعم في ملكوتك.
لا أجد مبرراً لهذا الشوق أو لهذه اللهفة، ولا أجد لغة تجيد ترتيل هذه الرغبة في الانتماء إليك، لا أراجع ذكرياتي معك فحسب، إنما أعمل على تغيير سيناريوهاتها، أقلّب فصولها، أتلاعب بالمشاهد فيها كما أريدها لا كما جرت.
ما يتعبني حقا هو أنني لا أجد مبرراً لهذه الحالة التي تتملكني، أهذي وحدي، أحاول أن أتابع لهفتي عليك، أتسلل خلف أنفاس اللهفة وسكناتها. ربما كان فيك شيئًا خاصًا، أشياء لا تتكرر، تجعلك حتماً امرأة خاصة بمقاييس رجل عصبي ومجنون مثلي.
أكتشف فيك عوالم لا تنتهي من الجنون والعبث العبقري الخاص الذي أحبه، حساسيتك ورقتك وصبرك، وعينيك اللتين أندم لأنني لم المسهما بيديّ ولم آخذهما إلى ذلك المكان البدائي البتول من صدري، شفتيك اللتين أفقدتاني رشدي لأنني لم آخذ منهما رشفة الحياة وشهد الرضاب.
كيف لم ألمس وجنتيك بيديّ الباردتين المرتعشتين الدائختين؟ كيف لم أترك لخصلات شعرك مكاناً فوق كتفي؟ كيف لم أتذوق الأنهار العذبة وهي تفيض على عنقك؟
تشدني إليك لحظتي مع الليل، تطالبني بأن أكون معك أكثر اقتراباً..واكثر التصاقًا .
أحسبك بين يديّ لحمًا ودمًا وانفاسًاَ، أعبث بالخرم اللامرئي في أذنيك الرقيقتين، أكاد أخنق كفيك في يديّ، أسحبك إلي حيث لانهاية، أكاد أنتفض بدمي ولحمي وناري وندمي.
كيف تركت مدينتي التي أحب تفلت فيها أجمل لحظات العمر وأنت معي؟
وحينما تسرقني لحظاتي معك أجد نفسي بلا زمان ولا مكان ولا وجوه أعرفها ولا تاريخ يخصني ولا صور احتفظ بها.
معك يتحول الزمان والمكان الى مشهد سريالي، ولا أعلم عن أي ابتعاد وبعد تتحدثين!
أهي الجغرافيا التي أثبتت فشلها بعد سنين من الضنك والهجران؟ أهي الظروف التي لم تكن قادرة على التقاط هذا الألق في قلوبنا؟ا
لا أعترف سيدتي حينما أكون معك الاّ بسيادة الشىء الذي نعرفه نحن معاً ونجهله نحن معًا، فلا بأس عندي أن أكون لصًا لا يسرق أشياء الآخرين ولا يقدر أن يمنع نفسه من البوح، ولا يمكنه أن يقطع لحظته الزمانية والوجدانية بشىء يسيل فيه كما الماء والهواء، ولا يجد غضاضة في أن يسرق من طول يومه لحظة الثواني السريعة وهو يسند رأسه الى صدرك الذي يشتاق إليه، الصدر الذي أريد أن أتكىء برأسي عليه لأسمع نجواه وضلالته وتيهه وارتعاشته، الصدر الذي يختصر الواقع الى ميتافيزيقيا وخرافة من النوع الحقيقي، الصدر الذي لم أعصر خمره ولم أحرث أرضه، ولم أصل ذروته، ولم أنحن بين هاماته، ولم ألاطف خيراته..ولم أبلغ فيه قمة القمم.
الآن، بلغت بي الكتابة من حد الوصف إلى حد الانفعال والتمثل فأنا لم أكن بحاجة لوقت طويل لأعبر إلى فضاءات عينيك، لم أفكر في شىء سوى ذلك الإحساس الشهي والحميم والقوي وهو ينقلني إلى ضم يديك.
أنا معك لا أحتاج الى التفكير، ولا إلى تدابير العقل ولا إلى إجراءات الحذر.
حينما أنظر إلى عينيك تأخذني الدنيا، أحناج إلى أن أعصرك في ارتعاشات جسدي.
معك أشعر بالحرية، أتحرر من الزمان والمكان، ولا أريد أن أفقد هذه الحرية.
أي أحمق أنا، رحلت دون أن أضمك إلي؟ وأي غبي لم أترك لنفسي حرية الغوص في خصلات شعرك؟
ألوم نفسي كثيرًا لأنني لم آخذك إلي، ومنذ ذاك الموعد وأنا أرتجف.
كيف لم أنكسر بصلابة بين يديك؟
كيف تركت امرأة دخلتني من نعوسة عينيها وباعدت بيني وبين شفتيها أقل من خطوة؟
لكنني ما زلت احلم! وأنت كثيراً ما تأتين شهية وجميلة وقوية في احلامي.
لا أريد أن يكون ما بيننا مثل الزجاج يرينا الحقيقة ولكنه يفصلنا عنها، أريد أن أكسر هذا الزجاج، أريد أن أستعيد بكل قوتي لحظات الحياة والموت معك، أريد أن ألتقط هذه اللحظات اليومية معك لنرسمها سوية في أي مكان وتحت أي غيمة وفوق أي عشبة .
أريد أن أفتت ذلك الخوف الذي يأخذك مني، وأن أتركك تقولين بصمت ما أريد أن أصرح به عاليا، ولكن ما يفصلنا أصبح أكثر من الأنفاس التي تخرج من أفواهنا.
أنا أيضا أريد أكثر من مجرد سماع صوتك، أحلم أن أسافر في الطريق الخضراء على ساحل رقبتك، لا أفكر في ذبحك، لكني أفكر أن أكتم هناك فوق عنقك كل أنفاسي.
أحلم بتلك اللحظة التي أضعتها أو ضاعت مني, الآن أريدها بكل ما استجمعة من رغبة في الحياة، بكل ما يسحقني الليل وهو يجمعني بك مجرد طيف أو ظل أو حلم سريع.
هل أصرخ لك لتفهمي أن حلمي لم أقل منه إلاّ القليل، وأن أجمل الصور تلك التي نحسها بقلوبنا قبل أن نراها.